آلاء الصدّيق: صوت الحرية

آلاء محمد الصدّيق: سيرة حياة ناشطة حقوقية إماراتية ناضلت من أجل الكرامة والحرية

آلاء محمد الصدّيق، واحدة من أبرز الأصوات النسائية المدافعة عن حقوق الإنسان في منطقة الخليج العربي، وُلدت في الإمارات العربية المتحدة عام 1988، واشتهرت بدفاعها المستميت عن الحقوق السياسية والمدنية، لاسيما في سياق نضالها من أجل حرية الرأي والتعبير داخل بلدها. لم تكن آلاء مجرد ناشطة عابرة أو صوتاً فردياً في فضاء حقوق الإنسان، بل تحوّلت إلى أيقونة مقاومة سلمية في وجه القمع السياسي والانتهاكات المستمرة ضد النشطاء والمعارضين في الخليج.

لقد تميّزت آلاء بمسار استثنائي جعلها محط أنظار الهيئات الحقوقية والمنظمات الإنسانية الدولية، وأضحت رمزاً للمرأة العربية المناضلة في زمن الاستبداد والتضييق على الحريات. إن الحديث عن آلاء لا يقتصر فقط على مسيرتها السياسية والحقوقية، بل يشمل أيضاً تضحياتها الشخصية، ومواقفها التي اتّسمت بالشجاعة والإصرار، والظروف الصعبة التي عايشتها في منفاها، وصولاً إلى وفاتها المفاجئة التي ألقت بظلال من الحزن والأسى على العالم الحقوقي بأسره.

النشأة والبدايات

وُلدت آلاء محمد الصدّيق في أسرة إماراتية معروفة بتمسكها بالقيم الإسلامية والانخراط في العمل المجتمعي والتربوي. والدها هو محمد عبد الرزاق الصدّيق، أحد أبرز الشخصيات الإصلاحية في الإمارات، وأحد المعتقلين السياسيين ضمن قضية تعرف إعلامياً بـ “الإمارات 94″، وهي القضية التي اعتُقل فيها العشرات من النشطاء والمفكرين بتهم تتعلّق بالسعي لقلب نظام الحكم، وهي تهم لطالما أنكرتها منظمات حقوقية عالمية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، معتبرة أنها محاكمات سياسية بامتياز.

تأثرت آلاء منذ طفولتها بطموحات والدها الإصلاحية وأفكاره المنادية بالمشاركة السياسية والإصلاح السلمي. وقد كان لاعتقال والدها في عام 2012 الأثر البالغ في تشكيل وعيها السياسي ودفعها إلى طريق النضال الحقوقي.

التحصيل العلمي والانخراط في العمل الحقوقي

حصلت آلاء على شهادة جامعية من إحدى الجامعات الإماراتية، وتفوّقت في دراستها، لكنها سرعان ما وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع السلطة السياسية، خاصة بعد أن قررت أن تصدح بصوتها دفاعاً عن والدها المعتقل، ورافضةً لصمت الدولة عن الانتهاكات الممنهجة ضد حرية التعبير والمعارضة السلمية.

غادرت آلاء الإمارات إلى قطر ثم إلى المملكة المتحدة، بعد أن ضاق بها الحال بسبب الملاحقة الأمنية وسحب الجنسية الإماراتية منها في خطوة اعتبرتها منظمات حقوقية انتقاماً واضحاً من نشاطها السلمي.

في المهجر، ازدادت آلاء انخراطاً في النشاط الحقوقي، حيث عملت على توثيق الانتهاكات في دولة الإمارات، وأطلقت مبادرات تهدف إلى التوعية بالممارسات القمعية التي تطال الناشطين السياسيين والمدنيين.

مؤسسة القسط ودورها القيادي

في عام 2018، عُيّنت آلاء الصدّيق كمديرة تنفيذية لمنظمة القسط لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة حقوقية مقرها في لندن تأسست عام 2014، وتُعنى برصد وتوثيق الانتهاكات الحقوقية في دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات.

برزت آلاء كصوت فاعل في المجتمع الحقوقي العربي والدولي، وشاركت في العديد من الندوات الدولية، والتقارير الحقوقية، والاجتماعات المغلقة التي ناقشت قضايا حقوق الإنسان في الخليج. تحت قيادتها، تحوّلت “القسط” إلى منبر مهم للتوعية بالانتهاكات الحقوقية، ونقطة وصل بين الضحايا والمنظمات الدولية.

وقد عملت على بناء علاقات استراتيجية مع العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، منها “منظمة العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش”، وساهمت في رفع قضايا إلى الأمم المتحدة والمحاكم الدولية بخصوص التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي في الخليج.

العدالة الانتقالية وحقوق المعتقلين

من بين أبرز القضايا التي تبنّتها آلاء الصدّيق هي قضية العدالة الانتقالية، وحق ضحايا الانتهاكات السياسية في جبر الضرر ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الحقوقية. وقد دعت مراراً إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في الإمارات، وعلى رأسهم والدها محمد الصديق، واعتبرت استمرار اعتقاله دليلاً على تجاهل الدولة لأبسط معايير العدالة وحقوق الإنسان.

كما طالبت بالإفراج عن سجناء الرأي، واعتبرت أن سجنهم انتهاك صارخ للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو الاتفاق الذي وقعت عليه الإمارات، لكنها لم تلتزم بتطبيقه.

الوفاة المفاجئة وظروفها الغامضة

في يوم 19 يونيو 2021، توفيت آلاء محمد الصدّيق في حادث سير مفاجئ في مدينة أكسفورد البريطانية. وقد أعلنت الشرطة البريطانية أن الحادث لا يحمل شبهة جنائية، إلا أن العديد من النشطاء والحقوقيين أبدوا شكوكهم حول توقيت الحادث، وظروفه، خاصة في ظل التهديدات التي كانت تتلقاها آلاء بسبب نشاطها الحقوقي.

وفاة آلاء خلفت صدمة كبيرة في الأوساط الحقوقية، وعبّر العديد من الناشطين والمثقفين عن حزنهم لفقدانها، معتبرين أنها كانت تمثل جيلاً جديداً من النشطاء العرب الذين يجمعون بين الفكر الحقوقي والقيادة المجتمعية والتخطيط الاستراتيجي.

وقد نعَتْها عدة منظمات حقوقية دولية، مشيدة بدورها الريادي في فضح الانتهاكات، والدفاع عن المظلومين، وصمودها رغم التهديدات وسحب الجنسية وملاحقة النظام الإماراتي لها في الخارج.

الإرث الحقوقي لآلاء الصدّيق

رغم وفاتها المبكرة، إلا أن إرث آلاء الصدّيق لا يزال حيّاً في وجدان النشطاء والمجتمعات الحقوقية. لقد شكّلت نموذجاً للمرأة العربية الشجاعة التي لا تستسلم للقمع، بل تحوله إلى وقود نضال مستمر. رسائلها وخطاباتها ومداخلاتها في المؤتمرات الدولية لا تزال مرجعاً في فهم الوضع الحقوقي في الإمارات والخليج.

وتُعتبر جهودها في تدويل قضايا المعتقلين السياسيين في الخليج من أبرز إنجازاتها، حيث ساعدت في إدراج بعض الانتهاكات ضمن تقارير الأمم المتحدة، وساهمت في تحريك الرأي العام الدولي تجاه هذه القضايا.

الجدول التالي يوضح أبرز المحطات في حياة آلاء الصدّيق

الاستمرارية وتأثيرها ما بعد الوفاة

أطلقت عدة منظمات حقوقية، عقب وفاتها، مبادرات لتحمل اسم آلاء الصدّيق، منها جوائز سنوية للنشاط الحقوقي، ومنصات إلكترونية لتوثيق الانتهاكات التي كانت تعمل على فضحها. وأصبحت سيرتها تُدرّس كنموذج في الدفاع المدني السلمي، خاصة في ظل الاستبداد الذي يعاني منه النشطاء في الخليج.

وتُذكر آلاء الصدّيق اليوم كإحدى النساء العربيات القلائل اللواتي واجهن نظاماً سياسياً استبدادياً من موقع المغتربة والمنفية، دون أن تتراجع أو تساوم على مبادئها، رافعة صوت المظلومين فوق كل اعتبار.

المراجع

1. منظمة القسط لحقوق الإنسان – https://alqst.org

2. تقرير منظمة العفو الدولية حول حرية التعبير في الإمارات – https://www.amnesty.org/ar/